عدد الرسائل : 1042 العمر : 48 . : تاريخ التسجيل : 27/04/2008
موضوع: أسأل الله أن يديم علينا وعليهم الأفراح الإثنين يونيو 15, 2009 9:08 am
أخوتي الأحباء نواصل نظراتنا في كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ورضي الله عنه هو يوصي واليه على مصر وقد تضمن هذا الكتاب العجيب الكثير من الحقوق الدستورية للمواطنين، ولك أن يأخذك العجب عندما تعلم أن هذا الكتاب قد كتب في عام 40 للهجرة و حولها، يقول أمير المؤمنين (أشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم من العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل ما تحب الله يعطيك من عفوه وصفحه) واضح في هذا النص انه ينهى عن تغول السلطة، وتغول الحاكم، لا تكن وحشاً مفترساً على رعيتك تضرب يمنة ويسرة لا تميز بين بار أو فاجر وتقتنص حقوقهم، وتهدد أمنهم وتهدر دمائهم، انظر إلى تعبير لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً، كن رحمة مهداة لهم، كن سراجاً منيراً لهم في ظلم الليالي، فهم إما أخ لكم في الدين له عليك حقوق لا يجوز أن تستبيح أخاك في الدين، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي قتل هل قال لا اله إلا الله؟ قال:نعم، قال له:كيف بك إذا جاءت لا اله إلا الله تجادل عنه يوم القيامة ماذا ستفعل؟ لأن الرجل صاحب ضمير وكان متؤولاً حقا في قتل من قتله قال والله لقد تمنيت إني لو لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم من عتاب النبي صلى الله عليه وسلم له، إما أخ لك في الدين فينبغي أن تعطيه حقوقه وان تؤمنه وان تحافظ على ماله ودمه وعرضه وإلا يتحول السلطان في يدك كالسيف في يد المجنون لا، لا تكونن عليهم سبعاً ضارياً هؤلاء إخوانك، إخوتك في الدين، وان لم يكونوا إخوة لك في الدين فهم نظراء لك في الخلق، تأمل كلمة أمير المؤمنين وإما نظير لك في الخلق، مساو لك في الإنسانية في الخلقة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } إن الاختلاف في الدين لا يسوغ إعلان الحرب ولا يسوغ الاعتداء لا، هناك مستوى أو مستويات من الإخوة هناك مستوى الأخوة في الدين وهناك مستوى الإخوة في الإنسانية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ِفي سجوده يقول اشهد أن الناس أخوة والقرءان الكريم يقول {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } لا نقتل من لا يقاتلنا، ولا نقاتل من لا يعتدي علينا، الناس لهم حقوق، هناك محارب مقاتل لابد أن نقاتله وان ندفعه عند ديننا وديارنا وأبنائنا وأموالنا وهناك معاهد لا بد أن نتم له عهده إلى مدته وهناك ذمي مواطن له ما لنا وعليه ما علينا {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق فأعطهم من عفوك وصفحك مثل ما تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، لان هؤلاء يفرط منهم الزلل وتعرض عليهم العلل ويؤتى على أيديهم من الخطأ والعمد، الخطأ وارد وهو أمر طبيعي بالنسبة للإنسان، (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) أعطهم فرصة تعالى عن أحقادك وتعالى عن عصبيتك، اترك لهم فرصة ان القرآن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم َ{اعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} والصدّيق أبو بكر رضي الله عنه كان ينفق على قريب له فقير ثم اكتشف أن هذا القريب الفقير الذي ينفق عليه كان مشاركاً في ِحديث الإفك الذي مس عرض ابنته عائشة الصديقة بنت الصديق رضوان الله عليها وعلى أبيها فتصرف تصرفاً بشرياً طبيعي، أوقف النفقة التي كان يقدمها لهذا الآثم لكن الله سبحانه وتعالى الذي يريد أن يرتفع عباده إلى مستويات سابقة من الإيمان لم يرض بذلك وانزل قرآنا يأمر بالعفو والصفح وينهى عن النفس الثأرية وعن الروح الانتقامية وقال جل جلاله {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ضع نفسك مكان هذا المخطئ فكما تحب أن يغمرك الله بعفوه وصفحه فاعفوا عن الآخرين واصفح عنهم، ثم يقول أمير المؤمنين يخاطب واليه يقول له وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فاذكر عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على مالا تقدر عليه من نفسك، إذا أحدث لك هذا السلطان وهذا الملك أبهة ومخيلة أي كبرياء وتجبر إذا أحدث لك غروراً، إذا أحدث لك شعوراُ متضخماُ في الذات فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وإلى قدرته منك على ما تقدر عليه من نفسك، يا أخي الملك لله وهو الذي يمنحك وهو الذي يسلبك {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء } الملك لله وهو القادر على منحه وهو القادر على منعه ولذلك نحن ننصح من يبتلى بالحكم والسلطان أن يعيد النظر في القرآن الكريم ليقف عند سيرة الملوك الصالحين كيف تعاملوا مع ما وهبهم الله من سلطة ومع ما وهبهم الله من ملك، انظر إلى سليمان عليه السلام وانظر إلى ما آتاه الله من ملك، فانظر إلى عظم ملك الله فوقك {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ} في البر والبحر، الإنس والجن، الريح والطبيعة كل ذلك مسخر له، كل ذلك في مملكته {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} فأعطى من شئت وأمنع من شئت، من يعطي هذا الملك! الطبيعة، والجن، {فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} تعلموا أيها الناس، تعلموا أيها الحكام، تعلموا أيها الملوك، تعلموا أيها السلاطين، تعلموا يا من ابتليتم بالسلطة والحكم والملك {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } هكذا يتعامل الناس الكبار، يتعامل المؤمنين مع الملك عندما يؤتمنون عليه، شكر موصول لله رب العالمين عبودية لله رب العالمين، عندما قرر سليمان أن يحضر عرش بلقيس من اليمن فتطوع له أحد المواطنين أحد رعاياه {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} وكان له ساعة محددة ينظر فيها في أحوال الناس{ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} هكذا كانوا يتعاملون، اقرؤوا سيرة الملوك الصالحين، يوسف عليه السلام لما استجاب الله دعائه وأكرمه ورفع مقامه وأعلى درجته لهج لسانه بهذا الدعاء العجيب {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} إن نعمة الملك ابتلاء يجب أن نتعامل معه بإيمان وإخلاص وصدق لا أن نتحول إلى جبارين ومتكبرين كما يقول الإمام علي كرم الله وجهه في الفقرة التالية يقول لواليه: (إياك ومساماة الله في عظمته والتشبه به في جبروته فان الله يذل كل جبار ويهين كل مختال) إياك ومساماة الله في عظمته التطاول، العظمة والكبرياء من خصائص الله ومن نازع الله فيهما قسمه الله، لكن بعض الحكام يتألهون، بعض السلاطين يجري فيه النفس والكبر والتعالي والتسلط والهيمنة، التحكم في عباد الله، يأمر فيطاع، يرى الناس يحيطون به ينفخون فيه يرى الجماهير تصطف له يمنة ويسرة فيمتلئ غروراً كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يصور تحول الحاكم العادي البسيط إلى ظالم متجبر يقول:
يولد السيد المتوج غضاُ طهرته في مهدها النعماء فاذا ما المملقون تولوه تولى طباعه الخيلاء
المملقون المنافقون المصفقون الذين يهزون رؤوسهم ولا يتركون وصفاً حميدا الا وألحقوه بهذا السلطان كما قال علي بن ابي طالب في حكمة أخرى من حكمه وهو يقول: ( إذا أقبلت الدنيا على أحد سلبته مساوئه وأعارته محاسن غيره واذا أدبرت عن أحد سلبته محاسنه وأعارته مساوئ غيره) إذا أقبلت الدنيا على أحد سلبته مساوئه فان كان غبيا يصبح ذكيا، وان كان جبانا يصبح شجاعا، وان كان بخيلا نتناً يصبح كريما، وتوصف به كل الصفات الحميدة وينقى مما كان فيه
يولد السيد المتوج غضاُ طهرته في مهدها النعماء فإذا ما المملقون تولوه تولى طباعه الخيلاء وسرى فيه فؤاده زخرف القول يراه مستعذباً وهو داء
فإذا أبيض الهديل غراب وإذا أبلج الصباح مساء
أبيض الهديل ذكر الحمام يصبح غراباً في نظره، والصباح يصبح مساء تتغير الأمور، يتأله الحكام قديماً وحديثاً {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ} يظن هذا الغبي انه بإعدامه لشخص قد حكم عليه بالموت، وبعفوه عنه وفر له الحياة {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وكما حدثنا القرآن عن نبي الله سليمان حدثنا عن طاغوت آخر تأله {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ } تأمل تعبير فنبذناهم كأنهم نواة لا قيمة لهم {فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} وقارون عندما خرج في زينته على قومه {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق عندما قابله رجل وأخذ يرتجف انه أمام محمد، انه أمام العظمة الكاملة فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له هون عليك يا رجل لست بملك ولا جبار إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في قريش، القديد اللحم المجفف في الشمس، هون عليك لا تخف إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد في قريش، النبي صلى الله عليه وسلم يا سادة كشف عن بدنه الشريف ليقتص منه من زعم أن النبي ضربه على بدنه، كشف بدنه الشريف ليقتص منه، كانت المرأة المسكينة التي بعقلها شيء تأخذ بيده إلى سكك المدينة حتى يقضي لها حاجتها، أيها الإخوة إن نصرنا في الجبهة الخارجية لا يأتي إلا بعد أن ننصر الله في جبهتنا الداخلية { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } ونصرنا في جبهتنا الداخلية يكون بتحقيق الوحدة والتماسك والنظام ومكافحة الظلم والبطالة والفقر والانحياز إلى الحق والعدل والتحرر من الحزبية والعصبية والتعود على قول الحق، إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا تهيبت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها) ويقول صلى الله عليه وسلم (إذا رأت أمتي الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك ان يعمهم بعقابه) ويقول صلوات الله وسلامه عليه ( لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع) أما آن لنا أن ننصر الله في داخلنا حتى ننتصر هناك في الجبهة الخارجية أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. فيا أيها الإخوة الأعزاء فعندما وليّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة قدمت له مراكب الخلافة، مراكب الخلافة كانت جياداً ثمينة تشبه سيارات المواكب هذه الأيام فماذا فعل الرجل الكبير المسئول؟ الذي يعرف حدود مسئوليته صرفها، صرف هذه المراكب مراكب الخلافة وأمر ببيعها وأن يوضع ثمنها في بيت مال المسلمين وقال لمن حوله أحظروا لي بغلتي، أنا لي بغلة أغدوا عليها وأروح أما هذه المراكب فبيعوها وضعوا ثمنها في بيت مال المسلمين، وعندما جاء رئيس الشرطة ليمشي بين يديه قال له ماذا تريد أن تفعل؟ قال:أسير بين يديك، قال:إليك عني فإنما أنا رجل من المسلمين، تذكرت هذا وأنا أرى هذه المواكب في شوارع بلادنا المهدمة والفقيرة المواكب التي لا تكف عن الذهاب والمجيء في وطن محتل ومنكوب بين يدي جماهير عانت من الاحتلال وجبروته عقود طويلة، منذ أربعين سنة الجماهير تعاني، وهذه مواكب مسلحة ومواكب سياسية تزحم هذا الوطن وتزحم هذه البلاد، إننا نريد من يرحمنا وإننا نريد من يشفق علينا لا نريد من يزاحمنا، لا نريد من ينتقم منا، ولا نريد من يذلنا، نحن أمة العزة والكرامة وما زلنا نتحدث عن نصر الله، والله يقول { إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } ونحن ننصر الله بإقامة العدل والمرحمة فيما بيننا، بترويج أخلاق التواضع والقسط والعدل، هل يأتي يوم أيها الإخوة الأعزاء لا نرى هذه المواكب؟ أو على الأقل حتى أكون أكثر واقعية نراها مخففة متواضعة لا ترهقنا من أمرنا عسرى، هل يأتي يوم أيها الإخوة لا نرى في بلادنا إلا الشرطة غير المسلحة تفض النزاعات وتحافظ على النظام وتوفر الأمن؟ إننا أمة منكوبة لست ضد أن يفرح الناس، بل يفرح الناس، أسأل الله أن يديم عليهم الأفراح لكن الأفراح الحقيقية وليست الوهمية، ان أمامنا طريق وعر وطويل والصراع في أوله أيها الأعزاء وما يجري عليه التفاوض والمساومات كان تحت أيدينا، لا أريد أن أتوسع في هذا الموضوع ربما تأتي مناسبته، لكن نريد أن نتنفس الصعداء، ما دور الملثمين والمسلحين وهذه المواكب الفارهة التي تغدو وتروح؟ نريد نظاماً وعدلاُ وحريةً وأمناً وكرامةً، نريد حفاظاً على حقوق الناس على حقوقنا العامة، هذه الأراضي الشاسعة والممتدة والتي توزعها القوم فيما بينهم تعدياً وغصباً واقتداراً، هل يمكن أن ترجع إلى الناس مرة أخرى؟ هل يمكن أن يقدموا لنا نمودجاً متميزاً في التعامل؟ ليقولوا لا هذه حقوق الناس وأموالهم العامة وهم أولى بها منا، أتمنى أيها الإخوة أن نصل لهذا الحد وأن تتحسن أحوال جبهتنا في ظل ديننا العظيم الدين يسر والخلافة بيعة والأمر شورى والحقوق قضاء إن أمامنا الكثير لنتحدث فيه لكن توالي الأحداث هي التي تأخذنا بهذا الاتجاه، إننا نريد أن نتحدث عن أخلاق الإسلام وعقائده، عن تاريخ الإسلام وواقعه ومستقبله، إننا نريد أن نتحدث عن أنظمة الإسلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إننا نريد أن نتحدث عن منهج الإسلام في توفير العدل والقسط ودعم الحق ومكافحة الظلم والفقر والبطالة، إننا نريد أن نتحدث عن قضايا المجتمع في ظل هذا العصر المتطور كل هذه قضايا نريد أن نتحدث عنها لكن هذه الأحداث المتسارعة التي كما قلت ترهقنا من أمرنا عسرى، كل يوم نسمع بمن خطّف، نسمع بمن قتل كأننا في جزيرة نائية لماذا حوادث الاختطاف؟ حوادث القتل؟ يجب أن تكف الجهات المعنية عن هذه الأمور فوراً، يجب أن يتقوا ربهم أولاً وأن يرحموا شعبهم ثانياً، نريد مجتمعاً آمناً، هذا المجتمع الذي يقلق فيه الضعيف ويخاف فيه على أمنه لا يمكن أن يكون مجتمعاً ديّناً أبداً، إن الأمن أغلى ما في الحياة، إن الله سبحانه وتعالى عندما أمرنا بعبادته ذكًرنا بنعمة الأمن {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} .