القصة الأولىالدوق الأكبر فرانسيسكو دي ميديسي
مؤرخ إيطالي زعم انه وجد ضريح الدوقة ميديسي التي توفيت بطريقة غامضة قبل أربعة قرون مضت
يعتقد الخبراء أن القبر الذي تم العثور عليه أثناء بناء كاتدرائية سان لورنزو يعود إلى بيانكا كابيلو العشيقة الأولى والتي أصبحت زوجة الدوق الأكبر فرانسيسكو دي ميديسي دوق توسكاني فيما بعد
هذا الاكتشاف قد يساعد في اثبات النظريه القائله بأن فرانسيسكو وبيانكا كانا من ضحايا واحدة من أكبر مؤامرات القتل التي اتسمت بها فلورنسا من 300 سنة مضت.
كلاهما ماتا في نفس اليوم في شهر اكتوبر سنة 1587 حيث أذيع أن سبب وفاتهما هو مرض الملاريا على الرغم من الإشاعة التي تفيد بأنهما قتلا على يد فريديناندو الأول شقيق فرانسيسكو رغبة منه لنيل الحكم كما جرت العادة بين عائلات الحكام
أظهرت تجارب السموم والتي قامت بها جامعة فلورنسا على بقايا رفات الدوق فرانسيسكو والذي دفن في مقبرة عائلة ميديسي في سان لورينزو أظهرت وجود الزرنيخ ( السم القديم ) وإذا ما تم الكشف عن وجود الزرنيخ في رفات بيانكا فهذا يقطع بأن كلاهما ماتا مسموما بالزرنيخ، لكن أولا يجب التأكد من أن القبر فعلا يعود للدوقة بيانكا حيث أنها لم تدفن مع الدوق وسربت جثتها بطريقة يلفها الغموض حتى اللحظة.
وكطريقة الأفلام والقصص البوليسية أطرح هذا السؤال
هل القبر الذي اكتشفه المؤرخ الإيطالي فعلا يعود للدوقة بيانكا؟ وهل فعلا تم تسميمها بالزرنيخ مع الدوق أم أنها هواية ورفاهية علمية يبحث عنا متبطلو العلم؟!!
هذه قصة من قصص كثيرة كان للكيمياء دور فاعل ورئيسي فيها
القصة الثانيةعندما رأت إحدى أميرات القرن الثامن عشر كبريتيد الزرنيخ ولونه الذهبي الأخاذ أصرت على أن يدهن به قصرها وكان هذا المركب حينذاك يستخدم في الطلاء والتلوين ولكنها بمرور الوقت بدأت تعاني من أعراض مرضية عجيبة، بدأ جسمها يذبل شيئا فشيئا آخذة في شيخوخة غريبة واستحال شعرها الذهبي الأشقر إلى الللون الأشيب وبدأ جلدها في التغضن والهزال والوهن ماحيا كل نضارة الشباب والصبا
حار الأطباء في وضعها أيما حيرة ولم يعرفوا لهذا التغير المفاجيء الذي اعترى الأميرة الشابة التي كانت في الخامسة والعشرين من عمرها ولم يمهلها المرض حيث وافاها الأجل بعد ذلك بقليل
اكتشفوا فيما بعد أن السبب هو الطلاء الذهبي البرّاق حيث أن كبريتيد الزرنيخ المستخدمة فيه مادة طيّارة ونتيجة لاستنشاق الأميرة المستمر زاد تركيزه في خلايا جسمها وبدأت تظهر عليها آثار هذا المرض الغريب
جدير بالذكر أنه بعد هذه الحادثة تم منع استخدام كبريتيد الزرنيخ في أعمال الدهان وتلوين اللوحات الذي ولاشك كان سببا في وفاة الكثيرين قبل هذه الأميرة
كبريتيد الزرنيخ: الأوربيمينت orpiment صيغته: As2S3
الريالجار realgar صيغته: AsS
مركب نادر نوعا ما لونه ذهبي قديما يستخدم في طلاء اللوحات والرسم والدهان وهو مركب غير ثابت يتحلل في وجود الضوء لذا يجب أن يحفظ في الظلام له رائحة تشبه رائحةالكبريت لكنها في الواقع رائحة الزرنيخ
ظهوره أول الأمر كان في رومانيا - البيرو - اليابان - أمريكا - استراليا
القصة الثالثةالكادميوم
إتاي – إتاي باللغة اليابانية تعنى الألم الشديد وهو مرض ظهر أول مرة في مدينة توياما اليابانية سنة 1950 نتيجة التسمم بالكادميوم
[align=justify]القصة تبدأ عندما صنفت مدينة تاياما كواحدة من أكبر مدن التعدين والمناجم للذهب والفضة تلاها الرصاص والنحاس ثم الزنك إبّان الحرب الروسية اليابانية والحرب العالمية الأولى ثم زاد الطلب على معادن المدينة أثناء الحرب العالمية الثانية، من عام 1910 حتى عام 1945 بدأ تسرب الكادميوم بكميات متزايدة نتيجة لعمليات التعدين المتلاحقة حيث بدأت الأسماك في البحيرة تموت وتذبل نباتات الأرز الذي يعتبر المصدر الرئيسي لغذاء اليابانيين ونتيجة لتلوث الماء والغذاء بالكادميوم بدأت تظهر أعراض هذا المرض العجيب على سكان المدينة حيث سجلت أول حالة عام 1912
كلمة أتاي – أتاي Itai-itai هي مرادف للصراخ بكلمات الألم الشديد وهو مرض يسبب تلين العظام والفشل الكلوي ويسبب آلاما شديدة لا يستطيع الفرد تحملها
لم يكن السبب معروفا حتى عام 1946 حيث كان الناس يظنون انه بسبب نوع نادر من البكتريا وعندما ازداد التلوث في المدينة بدأت البحوث الطبية عام 1950 للبحث عن مسببات هذا المرض الغريب الذي أصاب الكثيرين من سكانها وكان الاحتمال الأكبر هو بسبب التلوث بالرصاص حتى جاء الدكتور أوجينو وفريقه سنة 1955 واكتشف أن المسبب الرئيسي للمرض هي مركبات الكادميوم التي تطلقها صناعات التعدين
اشتكى سكان المدينة بعدما ذاع الخبر وبدأ التحقيق في القضية سنة 1961 وبعد التحقيق تم اكتشاف أن مصدر هذه السموم هي محطات شركة متسوي وشركة سميلتنج كاميوكا للتعدين على بعد 30 كيلومتر من المنجم وتم إخطارها من قبل وزارة الصحة بضرورة إيجاد حل أو وقف العمل، قامت الشركات ببناء حوض لمخلفات التعدين والتي تحوي الكادميوم بدلا من صبها على النهر لكن بعد أن عانى الكثيرين من المرض وتتالت بعدها الأحداث حيث ظهرت حالات جديدة في مناطق أخرى غير مدينة توياما وتقدمت 20 عائلة ببلاغ إلى المدعي العام وملاحقة الشركتين قضائيا وتمت محاكمة الشركتين 1970 وصدر الحكم ضدهما في أغطسس عام 1971
بيتهوفن في شبابه
الدراسات التي قامت بها مختبرات قسم الطاقة في شيكاجو بالولايات المتحدة الأمريكية أعطت مؤشرات أولية إلى أن الأعراض المرضية التي ظهرت على الموسيقار الشهير والتي أدت إلى موته عام 1827 بعد عذاب مرير مع المرض في عمر يناهز السادسة والخمسين
وما زال سبب تعرض الموسيقار للرصاص مجهولا ، إحدى الأسباب المقترحة هي إفراطه في تعاطي الكحول والتي كان يحتسيها في أكواب من الرصاص !! إلا أن هناك تكهنات أخرى بأنه شرب الرصاص كنوع من العلاج حيث كان الأطباء في القرن التاسع عشر يستخدمون المعادن الثقيلة في تطبيب الناس!!
معدن الرصاص
إلا أن التحاليل التي أجريت لم تثبت وجود الزئبق في بقايا بيتهوفن وهذا يقطع الشك باليقين بأنه لم يكن مصابا بالزهري كما روجت بعض الشائعات لأنه كان العلاج السائد لهذا المرض آنذاك هو الزئبق
بيتهوفن في سنواته الأخيرة
أيا كانت الأسباب فإن الله وحده أعلم بمصدر هذا الرصاص ،،، القصة في ذاتها غريبة لأنني لم أكن أعلم عنها شيئا من قبل ليس لأنها حدثت لهذا الموسيقار ولكن لأنه استوقفني سؤال:
كم من النفوس قضت عبر مئات السنين نتيجة للتعرض للمعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والزرنيخ والكادميوم والتي تعتبر من المواد السامة التي تفتك بالفرد وتتكالب عليه الأمراض من كل صوب وحدب ولا يدري لها سببا ،،، فمنها ما كان يعزى للسحر والجن ومنها ما يعزى إلى اللعنات ولكن السبب الحقيقي علمه عند الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء
وسبحان الله كم هي طاقة الإنسان العقلية عظيمة!! بعد مئات السنين تكتشف جرائم بعد أن طوتها رحى النسيان ومات الدائن والديّان!! إنه الفضول العلمي الجميل الذي يأخذنا إلى عالمٍ نجهل كنهه